حديثُ صديقان يكتب للثقافة عنوان ..

كان يا ما كان في سالف الأزمان ,, قلمٌ و دواة و عقلٌ و بنان ..
اجتمعت فأضحت إنساناً و كتاباً لبعضهما عاشقان ..
و في يومٍ من ذات الأيام ,, ظهر هذا العشق و استبان ,, عابراً التواريخ و البلدان ..
ليُجمع بين دفتين و عنوان ..
واجتمع من الأصحاب اثنان .. لينقلا لنا من حديثهما عن الثقافة بياناً و تبيان ..

- ما هي الثقافة ؟ أهيَ المعرفة ؟
لا
- أهي العلم ؟
لا
- هل هي الحضارة أم المدنية ؟ أهي التاريخ , العقيدة , العادات و التقاليد أم الأخلاق ؟ هل هي الفنون و الآداب و الأفكار ؟
لا يا صديقي .. هذه المفردات ما هي إلا بعض مكونات الثقافة .. فالثقافة و المثقف كلمتان غائمتا المفهوم , غامضتا الدلالة , واسعتا النطاق , يصعب أن يحويهما تعريف أو يحدهما مصطلح ..
- إذا اعتبرنا الثقافة صورة من صور الحياة ,, ما هو الإطار المناسب الذي يحدّ هذه الصورة ؟
إن مفهوم الثقافة إطار عام جامع و تتحرك داخل هذا الإطار الواسع كل الثقافات الإنسانية في دوائر أو أُطر متمايزة ذات تنوعات شاسعة و مستويات حضارية متباينة و تقوم بينها أحيانا حواجز و عوائق يصعب تجاوزها أو اختراقها أو النفاذ منها ..
إن الثقافات عوالم متمايزة تشكلت بظروف تاريخية و سياسية و اجتماعية و طبيعية مختلفة و تكونت بفعل مؤثرات كثيرة و متنوعة فجاءت هي بهذا الاختلاف و التنوع ..
- قرأت تعريفا عن الثقافة كتبه الأستاذ " عبد الكريم غلاب " يقول فيه : أن الثقافة ليست مادة تُشرب و تُؤكل أو تُحقن في الوريد عن طريق حقنة أو تُوضع في الدماغ عن طريق الإيحاء السحري أو تُبلغ عن طريق الحفظ والاستظهار كما تُحفظ نصوص في مدرسة ابتدائية و لكنها نتيجة جهد و متابعة و مجاهدة و استنباط و إعمال فكر و قلب و ضمير " ..
قد تعبر الثقافة عن تاريخ و تطور المجتمعات و قد تعبر عن أنماط أخرى من العلاقات الغير غريزية بين البشر كشكل من أشكار العلاقة لنشاط الفرد ضمن محيطه الاجتماعي و يختلف شكل العلاقة باختلاف المستوى الثقافي للفرد ضمن المجتمع ..
-و كيف يمكننا تحديد ذلك ؟
يمكننا تحديد ذلك بجملة النشاطات التعليمية المعبرة عن الفعاليات الاجتماعية و كذلك النشاطات الأخرى المكتسبة بفعل التفاعل اليومي مع أفراد المجتمع ذاته أو مع المجتمعات الأخرى المتجاورة ..
- هل تطور مفهوم الثقافة بتطور المجتمعات البشرية ؟
نعم ,, حيث أخذ يعبر عن أشكال و أنماط أخرى لم تألفها المجتمعات البشرية السابقة و أصبحت الثقافة لا تمثل الأشكال و السلوكيات و العلاقات المبسطة و السائة بين أفراد المجتمع و إنما أخذت تنحو باتجاه تمثيل القيم الفوقية و أشكال الإدارة الفعالة للقوى الاجتماعية ..
- ما هو مصدر الثقافة في اللغة العربية ؟
كلمة الثقافة اسم مشتق من الفعل " ثَقف " و التي تعني " صقل " و عادة تأتي صفة لعملية صقل السيف الذي يُصنع بداية على شكل شريحة حديدية خام لا تملك مقومات القتل أو حتى الإصابة و النفاذ لذلك لابد من تثقيفها أي صقلها و جعلها حادة قاطعة .. و كذلك الشخصية لابد لها من تثقيف حتى يشع النور بداخلها فترى جيداً ثم تشرق على من حولها بوهج المعرفة و الرأي و الإحساس و بدونها فالشخصية كيان مغلق , خام فارغ ..
- إذا فإن الثقافة هي التي تخلق وعي الإنسان و تصوغ شخصيته و تتحكم بعقله و توجه وجدانه ..
و لا تنسى أن الثقافة هي ذلك الكائن المعقد العجيب الذي لا نراه و لكنه يغمرنا كل الوقت بل و يسري فينا مسرى الحياة ..
- إذاً , فإن ثقافتنا تساهم في تكوين الحضارة الإنسانية .. و لكن متى بدأت الثقافة تساهم في تكوين الحضارات ؟
إن الثقافة سابقة للحضارة سبقاً موغلاً , فالجماعات الإنسانية في العصور القديمة عاشت قروناً ممعنة في الطول و الامتداد قبل أن تتكون الحضارة , لكن لم يوجد أي جماعة بدون ثقافة ,, لقد بدأت الثقافة منذ وجود الإنسان ففي البدء كانت الثقافة و كانت اللغة " و علّم آدم الأسماء كلها " فهي الامتياز المطلق للإنسان أما الحضارة فهي نتاج عقلاني جاء متأخرا و استغرق تطويرها آلافا من السنين ..
- أفهم من هذا .. أن الاجتماع الانساني أنتج الثقافة أما الحضارة فهي عناصر مختارة أنتجتها الاشراقات الثقافية الاستثنائية النادرة ..
إن الثقافات المتطورة هي التي أنجزت الحضارة فصارت هذه الانجازات متاحة للجميع من كل الثقافات مهما كان مستواها صعوداً أو هبوطاً فالمنجزات الحضارية مُشاعةو مشتركة بين كل الأمم أما الثقافات فهي شديدة التمايز و الخصوصية و من هنا جاء التفاوت الشاسع بين الأمم ..
- من كل ما فهمته من حديثك حول الثقافة أستطيع أن أقول أن المثقف هو الذي يمتلك قدراً من الوعي و الرؤية و الثقافة و الإطلاع على الأنماط المتعددة للثقافة ..
و من وجهة نظر لكاتب و الأديب محمد حسنين هيكل فإن المثقف هو الإنسان الذي يستطيع أن يكوّن لنفسه رؤية و موقف من الإنسان بالدرجة الأولى و من المجتمع بالدرجة الثانية و من الطبيعة و الكون بالدرجة الثالثة .. و يستطيع أن يعبر عن هذه الرؤية و هذا الموقف برموز الكلمات و الألوان و الأصوات .. و عليه فإن المثقف يستطيع أن يُعطي هذه الرموز التي تتضمن رؤيته و موقفه و التي تعبر عن هذه الرؤية ..
- إذا فإن مفهوم الثقافة و المثقف يمكن اعتباره مفهوما متحررا من القيود و الصياغات الجامدة و المتحجرة و يرتبط ارتباطا عضويا بمفهوم التحديث في العالم و تتغير دلالاته تبعاً لمجريات التطور و التحديث عبر الزمن .. و لكن كيف يمكننا الوصول إلى درجة المثقفين ؟
إن العقل لا يزدهر إلا بمقدار ازدهار الثقافة التي ينشأ عليها فهي رحم العقل و هي قالب العواطف و موجه السلوك و هي الرحم الذي تتخلّق به العقول و تُصاغ العواطف و تتحدد الاتجاهات و تتكون الاهتمامات ..
- و هل يتحقق ذلك بالقراءة ؟
ليست القراءة وحدها مصدراً لبناء الثقافة و لكنها المحضن الرئيسي و اللبنة الأساسية في بناء جدار ثقافي يعلو على مدى الأيام .. و حتى نصل إلى الدرجات العليا من الثقافة علينا أن نتخذ من الكتاب صديقاً و نجعل من القراءة طريقاً نحقق به طموحاً و نعلي به صرحاً يُسطر للأمة مجداً ..

و هكذا انتهى حديث الصديقان , بعد أن كتبا للثقافة عنوان .. و رسما للمثقف كيان , و للحضارة وقتٌ و أزمان ..

حياتنا و الذكريات ..






أتساءل دوماً .. كيف هيَ الحياة عندما تخلو من الذكريات ؟!

و هل تُسمّى حياةً !!

أعجزني هذا الكائن " الذكريات " عن تعريفه أو وصفه ..

وجدته حياةً بأكملها .. خلاصة تجارب و أيامٍ عشناها ..

و ما كانت لِتُنقش هذه الذكريات لولا أن الحياة رسمتها بريشتها كل ما عشنا فيها يوماً ..

فهي إذاً دليل حياة هذا الكائن و وجوده ..


الذكريات ,, نجد فيها أنفسنا إن يوماً أضعناها و نسترجع أمساً قد فقدناه ..

نجدها أغلى المقتنيات نُودِعُها صندوقاً محكم الإغلاق ندوّن ما كان منها قابلاً للنشر ..

و نحتفظ بما تبقى في مستودع الأسرار ..

و ربما نفقد بعضاً منها و نلقي بها خارج الصندوق تحت طائلة النسيان ..


الذكريات ,, تلك القوة الكامنة تستفزها بعض ملامح الذكرى و أطيافها ..

فتندفع بقوة لتغير الحال من حزن إلى سعادة أو العكس ..

يتوقف هذا على نوع الذكرى .. فهي كالمخدر يحملنا إلى عالم آخر نشعر فيه بنشوة حالمة ..

أو كالصبر مر المذاق نبتلعه سريعاً كي لا نشعر بطعمه ..

قد تُسكت هذه الذكريات أنين القلوب .. و قد تجدد نزف جرح لم يلتئم ..


أجد في الذكريات قصص طفولة مسلية .. و تجارب صِبا .. و تاريخ أحداث عاصرناها ..


يمرّ بذاكرتي أشخاص لكلٍ منهم سمة تميز بها .. و كلّ واحدٍ منهم بطلٌ لقصةٍ عشتها ..


الذكرى ,, ذلك الغائب الذي يعود كلما اشتقنا إليه .. يتجسد أمامنا و نشعر به ..

نعيش فيه كأنه يحدث لأول مرة ليس ماضياً قد عاد و إنما حاضرٌ قد جاء ..

ثم نصحو على واقع فإذا العالم الذي كنّا نعيشه ليس إلا ذكرى انقطع عنها التيار ,,

عادت إلى الصندوق و رحلت معها كل الشخصيات ..


لَقد انْقَضَت تِلكَ السُنون و أهلْها .... فَكَأنها و كَأنهُم أحلامُ


تمضي هذه الأيام و تنقضى و لا يبقى منها إلا الذكريات فاحرص على أن تُبقي منها أجملها ..

نقطة بداية ..

بسم الله الرحمن الرحيم ..
و الحمد لله رب العالمين أن يسّر لي و رزقني فتح هذه المدونة ..
بسملَة و حمدلَة خير ما ابدأ به مدونتي ..

من عادة الكِرام إكِرام الضيف و إكرامكم في هذا المقام الترحيب بكم .. زائرين , , متابعين , معلقين و منتقدين أيضاً ..
و إنه لمن الشرف لي أن تكون مدونتي إحدى المدونات التي تزورونها و تعودون إليها ..

أما عن السبب خلف فتح المدونة ,
لست من أصحاب الأقلام و المقالات و لا من الأدباء أو الشعراء .. و لكنني أكتب ما يجول بخاطري أحياناً و لا يصل ما أكتبه
إلى أدبِ أديبٍ أو بلاغةِ كاتبٍ أو تقريرِ صحفي .. و لكنها خلجاتٌ تأبى أن تبقى حبيسة النفس فتجبرني على إخراجها ..
و عمدت إلى نصيحة شيخي الفاضل " علي الطنطاوي - رحمه الله- " حيث قال :
" دونوا كل ما يمر على أذهانكم من أفكار و ما يعتلج في نفوسكم من مشاعر, اكتبوه في حينه , فإنكم إن أجلتموه فتشتم عنه فلم تجدوه " .
و لعل اعتمادي أن يكون ما أدونه في مدونة لأن الورق قد يضيع أحيانا , ما قرأه أحد و ما استفاد منه ..
من هنا جاءت هذه الفكرة التي ترددت فيها قليلا و أنعم الله علي بأخت لي شدت من أزري و ساعدتني ..

أما السرّ خلف اختيار اسم المدونة أو عنوانها ,
فلأنّ للكلماتِ سحراً تقع في النفس إن كانت طيبة فتجذبها و تقع فيها إن كانت سيئة تنفرّها ..
وجاء اختيار الاسم تباعاً لما اخترته من كنية لنفسي سابقاً ..
كنوعٍ من التحفيز للوصول إلى صفاتٍ اسأل الله أن يعينني على الوصول إليها و الثبات عليها ..