كُن مُبادراً ,, حتى لا يقع الطلاق ..

المشهد الأول :
- أغلق دكانّه محزون القلب , منكسر النفس , مما لقي من الخسارة في يومه , و مشى إلى البيت .. يأمل أن يجد من حب زوجته إياه و عطفها عليه و مواساتها له , ما ينسيه آلامه ..
- و أكملت أعمال بيتها , مكدودة الجسد , متعبة القلب , مما نالها من عناء الطبخ و التنظيف, و مداراة الأولاد , و قعدت تنتظر زوجها, ترجو أن تجد من حبه إياها و عطفه عليها و مواساته لها , ما ينسيها متاعبها ,,

الرجل و المرأة كلاهما مكمل لبعضه الآخر ,, و كلاهما بحاجة للحب و الحنان و عطف الواحد منهما على شريكه .. و مهما كان ما يجدونه من مشاكل اليوم و العمل و مهما كانت اللحظات العصيبة التي يواجهونها يبقى ذلك اللقاء هو ما ينتظرونه ليخفف عنهم تعب اليوم .. و تسكن به أرواحهم و تسعد به أنفسهم ..
قال تعالى : " و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون "
عاطفة المرأة دوماً هي الظاهرة و الأعلى تركيزاً و كذلك الحنان و هذا يجعلها مهيئة بالفطرة لأن تكون سكناً للرجل فلا تتصرفي خلاف الفطرة ,,
الرجل دوماً يشكل للمرأة ذلك الملاذ الآمن و الحضن الدافئ لصفات القوامة لديه ,, ابقَ هكذا دوماً و لا تحاول اخفاء ذلك الحب الذي يحتضنه قلبك ..

المشهد الثاني :
لما رأته داخلا كئيب الوجه , فاتر التحية , تألمت منه , فأعرضت عنه , و لما رآها قد أعرضت عنه , سخط عليها , و غضب منها , و ذهب إلى غرفته , و نزع ثيابه و هو يرتجف من الغضب , و استلقى على فراشه , و لكن جسمه كان مشدودا , كأن كل عصب منه وتر عود ..
و جعلت تدور هي في الدار , و الغضب يعصف بين جوانبها .. و مرت ساعة , و حاسب نفسه و قال لها : يا نفس لِمَ لا تنصفين ؟ ما ذنب المرأة ؟ أما تعبت نهارها كله , و أزهقت روحها و أنهكت جسدها , من أجلي , ثم تزينت لي و قعدت تنتظرني ؟
و قالت لنفسها : لعله مريض , أو مصاب بنكبة . أفما كان عليّ أن أسأله قبل أن أعرض عنه ؟

كلاهما غضب من الآخر لأن كل منهما لم يجد ما كان ينتظره و يصبو إليه .. و هذه هي اللحظات التي ينشط فيها ابليس و لا يفتر فيها عن الوسوسة .. فأسعد لحظاته لحظات الخلاف ,,
بعد أن خلا كل منهما بنفسه بدأ يفكر بالآخر ,, لا بد و أن هناك مبررات دفعته لهذا التصرف ,, و بدأ كل منهما يلوم نفسه .. و لكن ..
هل كان هذا كافيا لإخماد ذلك الغضب ؟!

المشهد الثالث :
رقت نفسه و ارتقب أن تبدأه بالكلام فيصالحها .
و انتظرت هي أن يناديها , لتصالحه .. فلما رأته لا يناديها , عاودها الغضب ,, و جاء الولد يقول : ماما , جعت ..
فانفجر المكتوم من غضبها , و صرخت بها : اذهب من وجهي ألا يكفي تعبي طوال النهار , أخدامة أنا في هذ البيت ؟
لو كنت خدامة لقال لي أبوك : أشكرك , على الأقل ..
و انسل الولد و جعل يبكي ..

دائماً الانتظار يجعل كمية الغضب المتراكمة تتزايد و تتزايد و تتزايد ,, لأن كل منهما يبدأ توقع اسباب عدم مبادرة الآخر ببدء الحديث و المصالحة ,, و هذا يجعله يفكر بالأشياء السيئة دائما و تنمو لديه المشاعر السلبية .. و لو بقي كل منهما ينتظر الآخر لطال الانتظار و لكن حديث ذلك الولد عجل لحظة الانفجار .. لذلك غالبا ما تكون التدخلات الخارجية في غير محلها و تزيد المشكلة سوءا ,, فاتركوا المتخاصمان يسويان الأمر بينهما على طريقتهما لأنهما الأعرف بكيفية الحل و كل منهما يعرف ما يحتاجه لإصلاح الأمر ,,

المشهد الأخير :
أحس الرجل كأن بكاءه يمزق أعصابه , و لم يعد يطيق الاحتمال , فوثب كالمجنون و صرخ :
- إلى متى هذا الخلق السيء , إلى متى أصبر عليك ؟
- قالت : أنا التي لم تعد تستطيع الصبر ..
- قال : و من الذي يتمسك بك ؟ اذهبي .
- قالت : آه , سأذهب , ما عدت ترى وجهي ..
- قال : إلى جهنم ..
- قالت : إلى جهنم ؟! هذا جزائي بعد خدمتي لك , و صبري عليك عشر سنين ؟ الله يلعن الساعة التي عرفت فيها وجهك ..
- قال : ويلك ! الآن أطلقك .
- قالت : إي طلقني بقى , و خلصني .
- قال : طيب , روحي طالقة !

و قع الطلاق ..
دعونا نفكر بتغيير أحداث القصة .. لو فكر كل منهما بالمبادرة لمصالحة الآخر بعد ما هدأت نفسه و صفت سريرته .. ما الذي كان سيحدث ؟
أتوقع أن كلاهما سيجد نبعاً من الحب منسابا متدفقا تجاه الآخر يفيض به دون توقف ,, و لما قدموا لحظات الانتظار كهدية على طبق من ذهب ليدعوا للشيطان مدخلا و فرصة يشحن بها قلب كل زوج تجاه زوجه بمشاعر الغضب ,, و لما كان ذلك التدخل من الطفل كشرارة أشعلت حريق منزل أغلقه الطلاق ..

عندما تفكر بالخير , لا تتردد و لا تجعل المشاعر السلبية تعاود التسلل إليك مجددا اطردها بسيل من الحب و اجعله يتدفق في كل خلايا جسدك ,, كُن مبادراً و تعامل مع الآخرين بحب .. و عطاء لأن ذلك خلقك و تلك هي فطرتك التي فطرك الله عليها ..
لن تشعر بالسعادة إلا بالتعامل مع فطرتك بشكل جيد و سليم ,, فـ لتكن المبادرة ذلك الدرع الواقِ الذي تطوقون به منازلكم لحمايتها من التفكك و الانهيار ,,

دمتم بسعادة .. و دامت منازلكم عامر بالحب ,,

همسة :
أحداث القصة نقلتها كما هي باللونين الأخضر و البنفسجي عن الشيخ علي الطنطاوي من كتابه مقالات في كلمات ,, الجزء الأول
و علقت على القصة بأسلوبي باللون الأسود,,

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق